كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَالثَّانِي: أَنَّ إِدْرَاكَ مُعْظَمِ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ إِدْرَاكِ جَمِيعِهِ، كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا كَانَ فِي الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ كَالْمُدْرِكٍ لَهُ مُحْرِمًا، كَذَلِكَ أَكْثَرُ اللِّعَانِ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ جَمِيعِهِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النُّورِ: 8، 9] فَعَلَّقَ الْحُكْمَ فِيهِ بِخَمْسٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَلَّقَ بِأَقَلَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ الْقُرْآنُ بِالِاجْتِهَادِ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَبَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ بِخَمْسٍ ثُمَّ فَرَّقَ، وَالْحُكْمُ إِذَا عُلِّقَ بِسَبَبٍ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى سَبَبِهِ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ مِنَ اللِّعَانِ عَلَى بَعْضِهِ يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلِّهِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا تَعَلَّقَ بِعَدَدٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِبَعْضِهِ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ فَكَذَلِكَ أَعْدَادُ اللِّعَانِ، وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ عَدَدُهُ فِي دَرْءِ الْحَدِّ لَمْ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ كَالشَّهَادَةِ؛ وَلِأَنَّ اللِّعَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَمِينًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ مَا شُرِعَ فِيهَا مِنَ الْعَدَدِ كَالْقَسَامَةِ، أَوْ يَكُونَ شَهَادَةً فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ عَدَدِهَا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ حُصُولَ الِاخْتِلَافِ مُسَوِّغٌ لِلِاجْتِهَادِ، فَهُوَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْخَمْسِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِهَا أَوْ بِمَا بَعْدَهَا وَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ لَمْ يَسُغِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَنَّ إِدْرَاكَ مُعْظَمِ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ إِدْرَاكِ جَمِيعِهِ فَهُوَ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِإِدْرَاكِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَرْبَعٍ لَا يَقُومُ مَقَامَ إِدْرَاكِ الْأَرْبَعِ؛ إِنَّمَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ الرَّكْعَةَ الْأَوْلَى بِإِدْرَاكِ أَكْثَرِهَا؛ لِأَنَّهُ تَحَمَّلَ عَنْهُ مَا فَاتَهُ مِنْهَا وَقَامَ مَقَامَهُ فِيهَا، وَلِذَلِكَ لَوِ انْفَرَدَ بِهَا مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ لَمْ يُدْرِكْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَذَفَهَا بِأَحَدٍ يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ مَعَ كُلِّ شَهَادَةٍ: إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا بِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ، وَقَالَ عِنْدَ اللِّعَانِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا بِفُلَانٍ أَوْ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا سَمَّى فِي قَذْفِ زَوْجَتِهِ الزَّانِيَ بِهَا، فَقَالَ: زَنَى بِكِ فُلَانٌ سَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُ إِذَا ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ عَلَى مَا وَصَفَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفِهِ بِذِكْرِهِ فِي لِعَانِهِ، فَإِنْ قَدَّمَتِ الزَّوْجَةُ الْمُطَالَبَةَ فَلَاعَنَ مِنْهَا حُدَّ بَعْدَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ قَدَّمَ الْأَجْنَبِيُّ الْمُطَالَبَةَ فَحُدَّ لَهُ لَمْ يُلَاعِنْ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ لَا يُلَاعِنُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَدَّهُ بِقَذْفِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا يَسْقُطُ بِلِعَانِهِ، بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} لِأَنَّ قَذْفَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَسْقُطُ حَدُّهُ بِاللِّعَانِ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ بِالْقَذْفِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَأَجْنَبِيٍّ: زَنَيْتُمَا لَمْ يَسْقُطْ قَذْفُ الْأَجْنَبِيِّ بِاللِّعَانِ، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: زَنَيْتِ بِهِ. وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونْ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمِنَ الصَّادِقِينَ} [النُّورِ:] وَفِي الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ: أَحَدُهَا: تَخْلِيصُهُ مِنْ قَذْفِهِ بِلِعَانِهِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ عَلَى عُمُومِهِ فِيمَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهُمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ اللِّعَانَ كَالشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} وَالشَّهَادَةُ تَسْقُطُ حَدُّهَا عَنْهُ، فَكَذَلِكَ اللِّعَانُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَثْبَتَ صِدْقَهُ بِاللِّعَانِ، وَصِدْقُهُ يَمْنَعُ مِنْ حَدِّهِ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَزَوْجَتِهِ؛ وَقَدْ قَذَفَهَا بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ فَلَمْ يَحُدَّهُ لَهُ بَعْدَ لِعَانِهِ فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ بِلِعَانِهِ؛ وَلِأَنَّ قَذْفَ زَوْجَتِهِ بِزَانٍ يَمْنَعُ مِنْ حَدِّهِ بَعْدَ اللِّعَانِ كَغَيْرِ الْمُسَمَّى؛ وَلِأَنَّ مَا سَقَطَ بِهِ حَدُّ الزَّوْجَةِ مَعَ غَيْرِ الْمُسَمَّى سَقَطَ بِهِ حَدُّهَا وَحَدُّ الْمُسَمَّى كَالْبَيِّنَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ حَدٍّ اسْتَفَادَ إِسْقَاطَهُ بِالْبَيِّنَةِ اسْتَفَادَ إِسْقَاطَهُ بِاللِّعَانِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُضْطَرُّ إِلَى تَسْمِيَةِ الزَّانِي كَمَا يُضْطَرُّ إِلَى قَذْفِ زَوْجَتِهِ، وَضَرُورَتُهُ إِلَى تَسْمِيَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَأَنْفَى لِلظَّنِّ.
وَالثَّانِي: لِيَكُونَ فِي شَبَهِ الْوَلَدِ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ فِي قَذْفِهِ، كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى صِدْقِ الْعَجْلَانِيِّ وَهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ.
وَالثَّالِثُ: لِيَكُونَ تَعْيِينُهُ فِي الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ أَزْجَرَ لِلنَّاسِ عَنِ الزِّنَا بِذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ حَذَرًا مِنْ فَضِيحَةِ التَّسْمِيَةِ فِي الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِعُمُومِ الْآيَةِ، فَالْمُلَاعِنُ مَخْصُوصٌ مِنْهَا بِدَلِيلِ الزَّوْجِيَّةِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى انْفِرَادِ الْأَجْنَبِيِّ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَذْفٌ لَا مَدْخَلَ لِلِعَانٍ فِيهِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمَا: زَنَيْتُمَا، فَنَحْنُ نَرْجِعُ إِلَى بَيَانِ هَذَا الْقَذْفِ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا زَنَى بِصَاحِبِهِ فَهِيَ مَسْأَلَتُنَا الَّتِي اخْتَلَفْنَا فِيهَا وَنَحْنُ نُجَوِّزُ فِيهِ اللِّعَانَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَنَى بِغَيْرِ الْآخَرِ، مَنَعْنَا مِنَ اللِّعَانِ فِي قَذْفِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِقَذْفِهِ زَوْجَتَهُ فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَنَفَاهُ أَوْ بِهَا حَمْلٌ فَانْتَفَى مِنْهُ قَالَ مَعَ كُلِّ شَهَادَةٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ وَلَدُ زِنًا مَا هُوَ مِنِّي. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِلِعَانِهِ مِنَ الزَّوْجَةِ إِلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ فِي لِعَانِهِ فِي الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ، وَفِي اللَّعْنَةِ الْخَامِسَةِ، فَإِنْ أَخَلَّ بِذِكْرِهِ فِي أَحَدِ الْخَمْسَةِ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ، وَصِفَةُ نَفْيِهِ فِي لِعَانِهِ أَنْ يَقُولَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زِنًا مَا هُوَ مِنِّي، فَيَجْمَعُ فِي نَفْيِهِ بَيْنَ شَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: إِضَافَتُهُ إِلَى الزِّنَا وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ اعْتُبِرَ حَالُ الشَّرْطِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ قَالَ: وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ لَيْسَ مِنِّي، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ وُلِدَ مِنْ زِنًا، لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ يُشْبِهُنِي فِي خَلْقِي أَوْ خُلُقِي أَوْ فِعْلِي؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ قَوْلُهُ لِابْنِهِ: لَسْتَ بِابْنِي قَذْفًا لِأُمِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ قَالَ: وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ لَوُلِدَ مِنْ زِنًا، وَلَمْ يَقُلْ: مَا هُوَ مِنِّي، فَفِي انْتِفَائِهِ عَنْهُ بِذَلِكَ وَجْهَان:
أحدهما: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ: قَدِ انْتَفَى عَنْهُ، لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا يَلْحَقُ بِهِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: مَا هُوَ مِنِّي تَأْكِيدًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِوَلَدِهِ: أَنْتَ وَلَدُ زِنًا، كَانَ قَاذِفًا لِأُمِّهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَبِهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: لَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ: مَا هُوَ مِنِّي؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى نَفْيِ الِاحْتِمَالِ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مِنْ زِنًا وَيَكُونُ مِنْهُ، بِأَنْ يَكُونَ قَدْ زَنَى قَبْلَ تَزَوُّجِهِ بِهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ عَقْدِهِ فَيَكُونُ لَاحِقًا بِهِ؛ وَلِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ يَرَى أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ زِنًا وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فِيهِ لَاحِقًا، وَلَا يُؤْمَنُ مِنَ الْمُلَاعِنِ اعْتِقَادُ مَذْهَبِهِ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالِ أَنْ يُضِيفَ إِلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ وَلَدُ زِنًا: مَا هُوَ مِنِّي وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْوَلَدَ حَتَّى اسْتَكْمَلَ لِعَانَهُ وَلِعَانَ الزَّوْجَةِ قِيلَ: قَدْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَلَمْ يَنْتِفِ الْوَلَدُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْفِيَهُ اسْتَأْنَفَ لِوَقْتِهِ لِعَانًا خَاصًّا لِنَفْيِ الْوَلَدِ كَامِلًا بِالشَّهَادَاتِ وَاللَّعْنَةِ الْخَامِسَةِ. وَلَمْ تُلَاعِنْ مَعَهُ الزَّوْجَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلِعَانِهَا فِي نَفْيِ الْوَلَدِ وَلَا فِي إِثْبَاتِهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِإِسْقَاطِ الزِّنَا عَنْهَا وَقَدْ سَقَطَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ لِعَانِهَا، وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي كِتَابِ الْأُمِّ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: تُعِيدُ الزَّوْجَةُ لِعَانَهَا بَعْدَ إِعَادَةِ الزَّوْجِ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاخْتِيَارِ حَتَّى لَا يَنْفَرِدَ الزَّوْجُ. بِلِعَانٍ لَا تُسَاوِيهِ فِيهِ الزَّوْجَةُ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ حَمْلًا قَالَ: وَإِنَّ هَذَا الْحَمْلَ إِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ لَحَمْلٌ مِنْ زِنًا مَا هُوَ مِنِّي. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي جَوَازِ اللِّعَانِ مِنَ الْحَمْلِ إِذَا كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَحَدُّ الْقَذْفِ وَاجِبًا وَسَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ الْحَمْلَ مُتَحَقَّقٌ أَوْ مَظْنُونٌ، وَفِي جَوَازِ لِعَانِهِ مِنَ الْحَمْلِ بَعْدَ طَلَاقِهِ وَقَبْلَ وَضْعِهِ قَوْلَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيهِ: هَلِ الْحَمْلُ مُتَحَقَّقٌ أَوْ مَظْنُونٌ؟. فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَهُ فِي لِعَانِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ قَالَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: وَإِنَّ هَذَا الْحَمْلَ إِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ لَحَمْلٌ مِنْ زِنًا مَا هُوَ مِنِّي مِثْلَ مَا قَالَ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ، فَإِنْ أَغْفَلَ ذِكْرَهُ فِي لِعَانِهِ كَانَ كَإِغْفَالِ الْوَلَدِ فِيهِ، فَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ لِنَفْيِهِ جَازَ أَنْ يُعِيدَهُ وَإِنْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِيَسْتَدْرِكَ بِهِ مَا كَانَ مُجَوَّزًا فِي لِعَانِهِ الْأَوَّلِ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ:- فَإِنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ فَرَغَ مِنَ اللِّعَانِ فَإِنْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَذْكُرْ نَفْيَ الْوَلَدِ أَوِ الْحَمْلِ فِي اللِّعَانِ قَالَ لِلزَّوْجِ: إِنْ أَرَدْتَ نَفْيَهِ أَعَدْتَ اللِّعَانَ، وَلَا تُعِيدُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ إِعَادَةِ الزَّوْجِ اللِّعَانَ إِنْ كَانَتْ فَرَغَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَيْسَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا حَدٌّ وَلَا تَعْزِيرٌ لِقَذْفٍ وَلَا زِنًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعَزَّرَانِ بَعْدَ الِالْتِعَانٍ لِتَحَقُّقِ الْكَذِبِ فِي اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْكَذِبَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَمَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَذِبُهُ لَمْ يُعَزَّرْ كَالشَّهَادَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ الْمُتَدَاعِيَتَيْنِ، وَكَالْيَمِينِ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا تَعْزِيرَ فِيهَا عَلَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِنِ اخْتَلَفَا وَلَا عَلَى الْحَالِفَيْنَ وَإِنْ تَكَاذَبَا. كَذَلِكَ فِي الْتِعَانِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَأَحَدِهِمَا، وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَوْضُوعٌ لِلزَّجْرِ وَالنَّكَالِ، وَمَا فِي اللِّعَانِ مِنَ الزَّجْرِ وَالنَّكَالِ أَعْظَمُ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَخْطَأَ وَقَدْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ وَلَمْ يَلْتَعِنْ بِقَذْفِهِ فَأَرَادَ الرَّجُلُ حَدَّهُ أَعَادَ عَلَيْهِ اللِّعَانَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَإِلَّا حُدَّ لَهُ إِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ، وَفِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ: وَلَمَّا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الزَّوْجِ يَرْمِي الْمَرْأَةَ بِالْقَذْفِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَنْ يُسَمِّيَ مَنْ يَرْمِيهَا بِهِ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجَمُلَتُهُ أَنَّهُ إِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِرَجُلٍ سَمَّاهُ هل يحد الزوج بقذفه هذا الرجل؟ فَلَا يَخْلُو فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَلْتَعِنَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَفْعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا. فَأَمَّا الْحَالُ الْأَوْلَى: وَهُوَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا، فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ لَهُمَا وَوَجَبَ حَدُّ الزِّنَا عَلَيْهِمَا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا جَازَ لِيَرْفَعَ بِهِ الْفِرَاشَ، وَيَنْفِيَ بِهِ النَّسَبَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ اللِّعَانُ فِيمَا لَمْ يَثْبُتْ مِنَ الزِّنَا كَانَ فِيمَا ثَبَتَ أَجَوْزَ. فَصْلٌ: أَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ أَنْ يَلْتَعِنَ، فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ فِي لِعَانِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ مَنْ رَمَاهُ بِهَا أَوْ لَا يَذْكُرُ، فَإِنْ ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ لَهُمَا، وَوَجَبَ بِهِ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الزَّوْجَةِ، وَلَمْ يَجِبْ بِهِ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمُسَمَّى مَعَهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يَتَسَاوَيَانِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا بِاللِّعَانِ كَمَا اسْتَوَيَا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا بِالْبَيِّنَةِ؟ قِيلَ: لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَامَّةٌ فِي حُقُوقِ الْأَزْوَاجِ وَالْأَجَانِبِ، وَاللِّعَانَ خَاصٌّ فِي حُقُوقِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الْأَجَانِبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلزَّوْجَةِ إِسْقَاطُهُ بِلِعَانِهَا جَازَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهَا، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَجْنَبِيِّ إِسْقَاطُهُ بِلِعَانِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْأَجْنَبِيَّ الْمُسَمَّى فِي لِعَانِهِ حِينَ طَالَبَ بِحَدِّ قَذْفِهِ فَفِيهِ قَوْلَان:
أحدهما: قَوْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ وأَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي اللِّعَانِ تَبَعٌ لِلزَّوْجَةِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يَصِحُّ مَعَهُ لَوْ أُفْرِدَ بِالْقَذْفِ، فَإِذَا سَقَطَ حَدُّ الزَّوْجَةِ بِاللِّعَانِ سَقَطَ حَدُّ مَنْ تَبِعَهَا فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَذْفٌ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَإِذَا تَحَقَّقَ بِاللِّعَانِ فِعْلُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا تَحَقَّقَ مِنَ الْآخَرِ، لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ زَانِيَيْنِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، يُحَدُّ لِلْأَجْنَبِيِّ إِذَا لَمْ يُسَمِّهِ فِي لِعَانِهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ لَمْ يُسَمَّ فِي اللِّعَانِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بِاللِّعَانِ كَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْقُطْ قَذْفُ الْأَجْنَبِيِّ بِعَفْوِ الزَّوْجَةِ لَمْ يَسْقُطِ اللِّعَانُ مِنْهَا، وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَبَعًا لَهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُ الْأَجْنَبِيِّ فِي اللِّعَانِ شَرْطًا فِي سُقُوطِ قَذْفِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ شَرْطًا، فَإِذَا أَخَلَّ بِذِكْرِهِ قِيلَ لَهُ: عَلَيْكَ لَهُ حَدُّ الْقَذْفِ إِلَّا أَنْ تَلْتَعِنَ ثَانِيَةً مِنْ قَذْفِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُفْرِدَ اللِّعَانَ بِقَذْفِهِ وَهُوَ لَوِ انْفَرَدَ بِالْقَذْفِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْرَدَ بِاللِّعَانِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْقَذْفَ إِذَا شَارَكَ فِيهِ الزَّوْجَةَ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الِالْتِعَانِ مِنْهُ مُشَارِكًا لِلزَّوْجَةِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي إِعَادَةِ اللِّعَانِ مِنْ قَذْفِهِ بِإِعَادَةِ ذِكْرِ الزَّوْجَةِ فِيهِ وَلَا يُفْرَدُ بِالذِّكْرِ دُونَهَا كَمَا لَوْ ذَكَرَهُ فِي اللِّعَانِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجَةِ إِعَادَةُ اللِّعَانِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا بِلِعَانِ الزَّوْجِ فَجَازَ أَنْ يَتَلَاعَنَ بَعْدَ لِعَانِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِهِ حَدٌّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ لِعَانِهِ.
فصل: وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: فَهُوَ أَنْ لَا يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ وَلَا يُلَاعِنَ الزوج إذا قذف زوجته، فَقَدْ صَارَ قَاذِفًا لِاثْنَيْنِ وَقَذْفُ الِاثْنَيْنِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَقْذِفَهُمَا بِزِنَائَيْنِ بِلَفْظَيْنِ فَيَقُولُ: زَنَيْتَ يَا زَيْدُ، وَزَنَيْتَ يَا عَمْرُو، أَوْ يَقُولُ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ: زَنَيْتَ يَا رَجُلُ بِغَيْرِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَزَنَيْتِ يَا امْرَأَةُ بِغَيْرِ هَذَا الرَّجُلِ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدُّ الْقَذْفِ وَلَا يَدْخُلُ أَحَدُ الْحَدَّيْنِ فِي الْآخَرِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَقْذِفَهُمَا بِزِنَائَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ لِرَجُلَيْنِ أَوِ امْرَأَتَيْنِ زَنَيْتُمَا، فَفِي الْحَدِّ لَهَا قَوْلَان:
أحدهما: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ، يُحَدُّ لَهُمَا حَدًّا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِقَذْفِهِمَا وَاحِدٌ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي- وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ-: يُحَدُّ لَهُمَا حَدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِاثْنَيْنِ بِزِنَائَيْنِ فَصَارَ كَقَذْفِهِ لَهُمَا بِلَفْظَيْنِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْذِفَهُمَا بِزِنَاءٍ وَاحِدٍ الزوج إذا قذف زوجته فَيَقُولَ لِامْرَأَةٍ: زَنَيْتِ بِهَذَا الرَّجُلِ، أَوْ يَقُولَ لِرَجُلٍ: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ، فَالصَّحِيحُ وَمِمَّا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ حَدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِزِنًا وَاحِدٍ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالزِّنَائَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ قَذْفَ الِاثْنَيْنِ بِالزِّنَا الْوَاحِدِ قَذْفٌ وَاحِدٌ، وَقَذْفَ الِاثْنَيْنِ بِزِنَائَيْنِ قَذْفَانِ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ فِي الْقَذْفِ الْوَاحِدِ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَفِي الْقَذْفَيْنِ حَدَّانِ، وَإِذَا وَجَبَ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا الْوَاحِدِ حَدٌّ وَاحِدٌ فَهُوَ مُشْتَرِكٌ فِي حَقِّ الْمَقْذُوفَيْنِ بِهِ، فَأَيُّهُمَا طَالَبَ بِالْحَدِّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كَامِلًا، لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَعْفُوَا عَنْهُ مَعًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ لَهُمَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُصَدِّقَاهُ عَلَى الزِّنَا فَيَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ عَنِ الزَّوْجِ وَيَجِبُ حَدُّ الزِّنَا عَلَيْهِمَا، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ إِنْ شَاءَ لِرَفْعِ الْفِرَاشِ وَنَفْيِ النَّسَبِ. وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُكَذِّبَاهُ وَيُطَالِبَاهُ بِحَدِّهِمَا فَيُحَدُّ لَهُمَا حَدًّا وَاحِدًّا عَلَى الْأَصَحِّ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ طَالَبَهُ أَحَدُهُمَا وَعَفَا عَنْهُ الْآخَرُ حُدَّ لِلطَّالِبِ حَدًّا كَامِلًا وَلَهُ إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، سَوَاءٌ طَالَبَتْهُ بِهِ الزَّوْجَةُ أَوِ الْأَجْنَبِيُّ لِاخْتِصَاصِهِ بِالزَّوْجَةِ. وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تُصَدِّقَهُ الزَّوْجَةُ وَيُكَذِّبَهُ الْأَجْنَبِيُّ. فَقَدْ سَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنِ الزَّوْجِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لِتَصْدِيقِهَا، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِتَكْذِيبِهِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كَامِلًا، وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِاخْتِصَاصِهِ بِالزَّوْجِيَّةِ وَوَجَبَ عَلَى الزَّوْجَةِ حَدُّ الزِّنَا بِإِقْرَارِهَا وَحَدُّ الْقَذْفِ لِلْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالْإِقْرَارِ قَاذِفَةً لَهُ وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يُصَدِّقَهُ وَتُكَذِّبَهُ الزَّوْجَةُ، فَيَسْقُطُ عَنِ الزَّوْجِ حَدُّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِتَصْدِيقِهِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لِتَكْذِيبِهَا، وَوَجَبَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ حَدُّ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ وَحَدُّ الْقَذْفِ لِلزَّوْجَةِ؟ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِقْرَارِ قَاذِفًا لَهَا، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْقَذْفِ بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ مِنْهَا، لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يُسْقِطُ حَدَّ الْقَذْفِ إِلَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ دُونَ الْأَجَانِبِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.